زناتة.. القبائل الأمازيغية التي ادعت النسب العربي

مقدمة عن قبائل زناتة

تُعد قبائل زناتة – المعروفة في اللسان الأمازيغي بصيغ متعددة مثل إزاناتن أو إجاناتن أو إزاناسن – إحدى المجموعات القبلية الأمازيغية الثلاث الكبرى التي شكّلت العمود الفقري للبنية السكانية في شمال إفريقيا منذ أقدم العصور. وقد اعتاد المؤرخون العرب، سواء من المؤرخين أو الجغرافيين أو النسّابين، على اعتماد هذا التقسيم الثلاثي في دراساتهم عن الأمازيغ، الذين ينتشرون في منطقة واسعة تمتد من واحة سيوة في أقصى جنوب مصر شرقًا إلى سواحل المحيط الأطلسي غربًا، مرورًا بمناطق برقة (ليبيا) والمغرب الأدنى (تونس) والمغرب الأوسط (الجزائر) والمغرب الأقصى (المغرب)، وصولًا إلى بلاد الطوارق في عمق الصحراء الكبرى.

زناتة.. القبائل الأمازيغية التي ادعت النسب العربي

أصل التسمية وتطورها

وتجدر الإشارة إلى أن التسمية الأمازيغية الأصلية "إزاناتن" قد خضعت، شأنها شأن العديد من الأسماء الأمازيغية الأخرى الخاصة بالأشخاص أو القبائل أو الأمكنة، إلى التحوير والتعريب عند نقلها إلى المصادر العربية القديمة. فالعرب – بحكم اختلاف نظامهم الصوتي عن الأمازيغية – كانوا يميلون إلى نطق الأسماء الأمازيغية بصيغ أقرب إلى أوزان لغتهم، وهو ما أدى إلى تعدد أشكال الاسم وظهوره بصيغ مثل “زناتة” أو “زنانة” أو “زَنَات”، في حين ظل الأصل الأمازيغي “إزاناتن” هو المعتمد في اللسان المحلي الأمازيغي.

المجموعات الأمازيغية الكبرى

ويُقسّم المؤرخون المجموعات الأمازيغية الكبرى إلى ثلاث كتل أساسية:

قبائل مصمودة

قبائل مصمودة (أصادن أو إمصمودن)، وهي القبائل التي يغلب عليها الطابع المستقر، حيث استوطنت منذ القدم جبال الأطلس والسهول المجاورة للمحيط الأطلسي، وعُرفت بميلها إلى الزراعة والحرف اليدوية. وقد ظلت على هذا النحو حتى دخول عرب بني هلال وبني سليم إلى المغرب الأقصى في العصور الإسلامية المتأخرة، ما أحدث تغيّرات سكانية وثقافية في المنطقة.

قبائل صنهاجة

قبائل صنهاجة (إزناكن)، التي جمعت بين الحياة الصحراوية والجبيلة، فكان منها من يعيش في الصحراء الكبرى مثل صنهاجة اللثام، ومنها من استقر في جبال الأطلس أو السهول المغربية. وقد لعبت هذه القبائل دورًا بارزًا في التاريخ الوسيط لشمال إفريقيا من خلال تأسيس الدولة المرابطية، التي وحّدت أجزاء واسعة من المغرب والأندلس.

قبائل زناتة

قبائل زناتة (إزاناتن أو إجاناتن أو إزاناسن)، وهي القبائل التي عُرفت بطابعها البدوي المتنقل، إذ كانت تنتشر في مناطق شاسعة من بلاد الأمازيغ، متنقلة من منطقة إلى أخرى بحسب مواسم الرعي والظروف المناخية. وقد تميّزت زناتة عن سائر المجموعات الأمازيغية بكونها أكثرهم ترحالًا وتنقلًا، كما اشتهرت بامتلاكها روحًا حربية عالية، وبتفوّقها في فنون القتال والفروسية. وقد وصف المؤرخون فرسانها بأنهم من أشجع وأمهر مقاتلي الأمازيغ قاطبة، لما اشتهروا به من شجاعة وصلابة في الحروب، وقدرة على التأقلم مع بيئات قاسية في الصحراء والجبال.

وبذلك، فإن زناتة لم تكن مجرد قبيلة واحدة، بل تحالفًا قبليًا واسعًا يضم عددًا كبيرًا من الفروع والعشائر المنتشرة في مختلف أنحاء شمال إفريقيا. وكان لهذه الطبيعة المتحركة دور مهم في تعزيز نفوذها السياسي والعسكري، إذ ساهمت في تكوين عدد من الكيانات والدول الأمازيغية اللاحقة، كما كان لبعض بطونها دور في محاولة الانتساب إلى أصول عربية – وخاصة القحطانية منها – في محاولة لاكتساب مكانة اجتماعية أرفع خلال العصور الإسلامية.

معنى اسم "إزاناتن" (زناتة)

يقدّم المؤرخ علي صدقي أزايكو طرحًا مغايرًا لما ورد في بعض المصادر الكلاسيكية بخصوص أصل ومعنى اسم إزاناتن (أو زناتة)، إذ يرى أن التسمية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بنمط حياة هذه القبائل أكثر من كونها دلالة نسب أو سلالة. ويؤكد أزايكو أن معنى الكلمة في جوهره يشير إلى "مربّي الأغنام"، انطلاقًا من طبيعة حياة زناتة التي تميّزت عبر التاريخ بالترحال وتربية الماشية، ولا سيما الأغنام، وهو ما يتطابق مع الصورة التي يقدمها التاريخ الاجتماعي عنهم.

الفرضيات اللغوية لمعنى الاسم

ولإثبات فرضيته هذه، يقترح أزايكو تفسيرين لغويين متكاملين لأصل المصطلح:

الفرضية الأولى:

يرى أن كلمة إزناتن (Iznaten) هي جمع لمفردة أزنات (Aznat)، وهي بدورها مشتقة من مقطعين لغويين أمازيغيين:

أزن (Azn) بمعنى "أرسل" أو "بعث"،

وأتن (Attn) بمعنى "الشاة" أو "الخروف".

وعند الجمع بين المقطعين يتكوّن المعنى: "الذين يرسلون الأغنام إلى المراعي"، وهو توصيف دقيق لطبيعة حياة الزناتيين الرحّل الذين كانت رعاية الماشية نشاطهم الاقتصادي الأساسي، يمارسونه بالتنقل المستمر بحثًا عن الكلأ والماء.

الفرضية الثانية:

يفترض أزايكو أن أصل الكلمة مركب من مقطعين مختلفين:

إهن (Ehen) أو إزن (Ezen) أو أزن (Azen)، ومعناها "الخيام"،

وأتن (Attn) التي تدل على "الكثرة أو التزايد".

وعند دمج المقطعين يتكوّن معنى "الخيام الكثيرة" أو "المعسكرات الكبرى"، وهي دلالة رمزية على التجمعات الرحل الكبيرة التي كانت تميز قبائل زناتة، والمرتبطة أساسًا بتربية الماشية والتنقل الجماعي بين المراعي.

ومن خلال هذا التحليل، يرى أزايكو أن الاسم نفسه يعكس صورة واقعية عنهم بوصفهم رحّلاً ومربّي ماشية يعيشون في خيام وينتقلون في شكل مجموعات واسعة.

وفي مقابل هذا الرأي، يقدّم المؤرخ أحمد التوفيق تفسيرًا مختلفًا لمعنى الكلمة، إذ يذهب إلى أن لفظ "إزاناتن" في الأصل الأمازيغي مشتق من الفعل "زن" الذي يعني "باع"، ومنه صيغة "أزن" أي "باع شيئًا". وبناءً على ذلك، فإن زناتة تعني "التجّار" أو "الذين يمارسون البيع والتبادل التجاري"، وهو ما يعكس جانبًا آخر من حياة بعض فروع زناتة الذين عُرفوا بالنشاط التجاري والتنقل بين الواحات والمناطق الصحراوية لتبادل السلع.

أصول إزاناسن (زناتة)

رغم شيوع التقسيم الثلاثي للقبائل الأمازيغية بين المؤرخين العرب، والذي يقسمهم إلى مصمودة وصنهاجة وزناتة، فإن هذا التصنيف – على شهرته – يفتقر إلى أسس علمية متينة يمكن الاعتماد عليها. فالمصادر القديمة لم تقدّم أدلة واضحة تدعم هذا التقسيم سواء من حيث مجالات الانتشار الجغرافي، أو أنماط العيش، أو الصفات الجسدية، أو حتى الأنساب التي نُسبت إليهم.

وفي هذا السياق، يشير الباحث مولاي التقي العلوي في كتابه «أصول المغاربة» إلى هشاشة هذا التصور القائم على فكرة الأصل الواحد، موضحًا أن المنهج العلمي والعقلي لا يمكن أن يقبل حصر شعبٍ بأكمله في سلالة واحدة. ويقول بهذا الخصوص:

"إن الشعب الأمازيغي، كسائر شعوب الأرض، لا يمكن بحال إرجاعه إلى شخص واحد أو شخصين، وإنما هو مزيج من سلالات وأعراق متعددة، نزحت إلى هذه الأرض من جهات مختلفة، ثم تفاعلت وتمازجت عبر القرون حتى كوّنت هويتها الخاصة وشكلها النهائي إن كان لها شكل نهائي بالفعل."

ومن هذا المنطلق، يرى عدد من المؤرخين أن الرؤية الأنسابية الجنيالوجية التي تبناها المؤرخون العرب والأندلسيون – ومن بعدهم المغاربة – قامت على إسقاط النموذج العربي في فهم الأنساب على الواقع الأمازيغي. فكما ينسب العرب أنفسهم إلى جد أعلى (عدنان أو قحطان)، نسب المؤرخون الأمازيغ إلى جدٍّ يُدعى برّ، الذي أنجب فرعين: برنوس، وهو الجد الأعلى للبرانس، ومدغيس الأبتر، وهو الجد الأعلى للبتر.

وبناءً على هذا التصور، تُعدّ زناتة من فروع البتر، وتنسب إلى مدغيس الأبتر. ويُقال إن اسمها مأخوذ من أحد أحفاده ويدعى زانا أو شانا أو جانا، الذي ينحدر بدوره من مدغيس الأبتر عبر سلسلة نسب تمتد إلى داري بن زحيك. ووفق هذا المنطق الجنيالوجي، يكون الجد الأعلى لزناتة هو جانا أو زانا.

غير أن هذه السلسلة من الأنساب تثير العديد من التساؤلات الجوهرية: من هو مدغيس الأبتر تحديدًا؟ ومتى عاش؟ وأين كانت موطنه الأصلي؟ وهل هو شخصية أمازيغية محضة أم أسطورة أُلصقت بها الأنساب العربية لاحقًا؟

إشكالية النسب العربي لزناتة

ويبدو أن هذه التساؤلات تعكس التداخل العميق بين الروايات التاريخية والأسطورية، خاصة وأن عددًا من نسّابي زناتة سعوا إلى ربط نسبهم بالعرب، باعتبارهم من سلالة مدغيس الأبتر بن بر بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وفق ما تذكره بعض الروايات.

ويُرجع بعض الباحثين هذا النزوع إلى النسب العربي إلى دوافع نفسية واجتماعية، إذ حاول بعض الزناتيين الابتعاد عن انتمائهم الأمازيغي بعد أن أصاب بعض فروعهم الضعف والتفكك السياسي، فوجدوا في الانتساب إلى العروبة نوعًا من الرفعة والوجاهة. وساهم بعض نسّابتهم ومفكّريهم في ترسيخ هذا الميل بتجميل صورة الأصل العربي في مقابل التحقير من الأصل الأمازيغي.

وخلاصة القول، فإن ما يُستفاد من مجمل الروايات التاريخية – كما يذكر البكري وغيره من الجغرافيين – أن زناتة لم تكن قبيلة واحدة موحدة في الأصل، بل تحالف واسع ضم مجموعات متفرقة استقرت في الجبال والسهول والواحات والمدن، واشتغلت بمهن متعددة مثل الرعي والزراعة والتجارة. ومن ثم، فالنظر إليهم كجماعة ذات نسب واحد لا يقوم على أساس واقعي، إذ يجدر فهمهم في إطار تحالفات قبلية متشابكة تشكلت عبر التاريخ لأغراض الدفاع المشترك والتوسع، أكثر من كونها جماعة ذات أصل واحد وجذر موحد.

نمط عيش إزاناسن (زناتة)

تُعد قبائل إزاناسن (زناتة) من أبرز المجموعات الأمازيغية التي تميزت منذ فترات مبكرة بـ التحرك الواسع في المجال الجغرافي، وهو ما جعلها تتفكك نسبيًا وتنتشر في مناطق متعددة من شمال إفريقيا. وقد مكّنها هذا الانتشار من لعب أدوار سياسية وعسكرية بارزة عبر التاريخ؛ إذ كانت في البداية من القوى التي قاومت الفتح الإسلامي، لكنها سرعان ما تحولت لاحقًا إلى داعم رئيسي للحكم الأموي في المنطقة، وأسست بعض النماذج الأولى للإمارات الإسلامية المحلية، مثل إمارة مغراوة وبني يفرن، اللتين كان لهما أثر كبير في التاريخ الوسيط للمغرب.

ويُرجّح أن النشاط التجاري كان أحد الأسباب الجوهرية وراء حركية زناتة وتوزعها الواسع، إذ ساهم انخراطها في التجارة عبر المسالك الصحراوية في توسيع مجال انتشارها من سجلماسة في منطقة تافيلالت، إلى أغمات قرب مراكش، ثم إلى أوداغشت في الجنوب الموريتاني.

ورغم أن هذه الحركة الدائمة أدت إلى تراجع تماسك العصبية الزناتية، فإنها لم تمنع بعض فروعها من تحقيق نجاحات سياسية بارزة، ومن ذلك فرع بني واسين الذي استطاع في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) تأسيس دولة بني مرين، التي شكّلت إحدى أهم الدول المغربية في العصور الوسطى.

وعند النظر إلى نمط عيش الزناتيين، تميل أغلب الدراسات إلى وصفهم بأنهم قوم رحل متنقلون على عكس المصامدة المستقرين في الجبال. فقد عُرف الزناتيون بكونهم رعاة إبل وغنم، يعيشون حياة قائمة على الترحال المستمر بحثًا عن المراعي ومصادر المياه. كما تميزوا بـ القدرة على التكيف السريع مع الظروف، فكانوا إذا واجهوا هزيمة أو ضغطًا عسكريًا ينسحبون بخفة وسرعة إلى مناطق جديدة، مما جعلهم مثالًا واضحًا على المرونة الاجتماعية والجغرافية.

وقد ساعدهم هذا النمط المتحرك على الانتشار في رقعة جغرافية شاسعة تمتد من وادي النيل شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، حتى إن أي منطقة من مناطق شمال إفريقيا تكاد لا تخلو من وجود زناتي سواء بفرع أو بطن أو عشيرة. وكان المغرب الأوسط (الجزائر الحالية) موطنًا رئيسيًا لكثير من بطونهم، كما استقر بعضهم في المناطق الصحراوية على طول خط يمتد من غدامس في ليبيا إلى واحة تافيلالت في المغرب، مما جعلهم أحد أوسع الشعوب الأمازيغية انتشارًا.

زناتة.. القبائل الأمازيغية التي ادعت النسب العربي

اللسان الزناتي (اللغة)

من الناحية اللغوية، تمتلك قبائل زناتة لهجة أمازيغية خاصة بها تُعرف باسم الزناتية، وهي من أبرز الفروع اللهجية في اللغة الأمازيغية. وتنتشر هذه اللهجة في مناطق واسعة من شمال إفريقيا، خصوصًا في ليبيا وتونس والجزائر، حيث تُسمع بشكل واضح في وادي مزاب وورقلة الجزائريتين.

أما في المغرب، فما تزال اللهجة الزناتية حاضرة بقوة في شريط يمتد من غرب صنهاجة السرائر مرورًا بـ الشمال الشرقي للأطلس المتوسط والجزء الشرقي من الأطلس الكبير، وصولًا إلى تخوم الصحراء جنوبًا. وتشمل المناطق الناطقة بها عددًا من القبائل الزناتية الكبرى مثل:

بني يزناسن، كبدانة، بني بويحي، بطالسة، قبائل الريف، بني بوزكو، الزكارة، قبائل حوض ملوية، فكيك، تولال، الساورة، تدات، كورارة، تيدكت، وعين صالح.

وهكذا يتضح أن اللهجة الزناتية ليست مجرد فرع لغوي محدود، بل هي عنصر ثقافي وهوياتي متجذر يعكس الامتداد التاريخي الواسع لهذه القبائل في فضاء شمال إفريقيا، ويؤكد في الوقت ذاته على تنوع اللهجات الأمازيغية ووحدتها العميقة في آن واحد.

الحكم والرياسة في العصبية الزناتية

على الرغم من حالة التفكك والتشتت التي عرفتها قبائل إزاناسن (زناتة) سواء من حيث المجال الجغرافي أو الامتداد الزمني، فإن هذه المجموعة الأمازيغية لعبت دورًا محوريًا في تاريخ شمال إفريقيا، وأسهمت في صياغة عدد من التحولات السياسية والعسكرية الكبرى، بل وأنجبت شخصيات بارزة كان لها حضور قوي في ذاكرة المنطقة وتاريخها.

ومن بين أبرز هذه الشخصيات الملكة الأمازيغية ديهيا، التي عُرفت في المصادر العربية باسم الكاهنة، والتي قادت قبيلتها كراوة الزناتية، ومعها قبائل أمازيغية أخرى، في مقاومة الجيوش الإسلامية الزاحفة نحو بلاد المغرب في القرن السابع الميلادي. وتُعد ديهيا من الرموز التاريخية التي جسدت روح القيادة والمقاومة لدى القبائل الزناتية في وجه القوى الخارجية.

أما في المغرب، فقد أسهمت زناتة في تأسيس إمارتين إسلاميتين بارزتين هما: إمارة بني يفرن وإمارة مغراوة، وقد تميزت علاقتهما بالحكم الأموي في الأندلس بين فترات الاستقلال الذاتي والولاء السياسي تبعًا لتقلبات الظروف الإقليمية.

نشأت إمارة بني يفرن في سياق ديني وسياسي متقلب، إذ اعتنقت القبائل الزناتية في بدايتها المذهب الخارجي (الصفرية)، فتبنّت فكر المعارضة للحكم المركزي، ورفعت لواء الدفاع عن هذا المذهب بين القبائل الأمازيغية. غير أن بني يفرن ما لبثوا أن تخلوا عنه لاحقًا لصالح المذهب السني، قبل أن يضع المرابطون حدًا نهائيًا لسلطتهم السياسية.

أما إمارة مغراوة، واسمها مشتق من اللفظ الأمازيغي إمغارن (جمع أمغار أي الشيخ أو الزعيم)، فقد كانت فرعًا من بني يفرن وأبناء عمومتهم. نزح المغراويون من المغرب الأوسط (الجزائر حاليًا) نحو شرق المغرب الأقصى، حيث بسطوا نفوذهم على مناطق متعددة، وأسسوا الإمارة المغراوية في مدينة فاس، التي أصبحت مركزًا سياسيًا مهمًا في تلك المرحلة. واستمرت إمارتهم حتى تمكنت جيوش المرابطين من إنهاء حكمهم وضم أراضيهم إلى سلطتهم.

كما أسس المغراويون إمارات أخرى في مدن سجلماسة وأغمات، مما يدل على اتساع نفوذ زناتة وتعدد فروعها السياسية في المغرب الوسيط.

وفي مرحلة لاحقة، تمكن فرع آخر من الزناتيين، وهم بنو واسين، من تأسيس الدولة المرينية في مدينة فاس خلال القرن الثالث عشر الميلادي، لتصبح إحدى أهم الدول الأمازيغية في التاريخ الإسلامي للمغرب.

وبعد أفول نجم المرينيين، تولت الحكم أسرة بني وطاس المنحدرة بدورها من الأصل الزناتي، فأسست الدولة الوطاسية التي ورثت الحكم في المغرب وأكملت مسار الهيمنة الزناتية على السلطة في البلاد.

وهكذا يتضح أن العصبية الزناتية، رغم ما اعتراها من انقسامات جغرافية وزمنية، استطاعت أن تحافظ على روح القيادة والرياسة في مختلف العصور، فأسست دولًا وإمارات متعاقبة، وجعلت من زناتة أحد الركائز السياسية البارزة في التاريخ الأمازيغي والإسلامي للمغرب الكبير.

الأسئلة الشائعة:

1. من هم قبائل زناتة؟

قبائل زناتة هي إحدى المجموعات الأمازيغية الكبرى في شمال إفريقيا، عُرفت بحياتها البدوية ونفوذها السياسي والعسكري منذ العصور القديمة.

2. ما أصل اسم زناتة؟

يُرجع بعض المؤرخين أصل كلمة "زناتة" إلى اللفظ الأمازيغي "إزاناتن"، الذي يعني إما "مربّي الأغنام" أو "أصحاب الخيام الكثيرة"، حسب اختلاف التفسيرات.

3. هل زناتة قبائل عربية الأصل؟

رغم أن بعض فروع زناتة حاولت الانتساب للعرب لأسباب اجتماعية وسياسية، فإن أصولها أمازيغية خالصة تمتد إلى أعماق التاريخ المغاربي.

أين كانت مواطن قبائل زناتة؟

انتشرت زناتة في مناطق واسعة من شمال إفريقيا، خصوصًا في شرق وشمال المغرب، والجزائر، وتونس، وصولًا إلى ليبيا والصحراء الكبرى.

4. ما دور قبائل زناتة في تاريخ المغرب؟

أسهمت زناتة في تأسيس إمارات قوية مثل مغراوة وبني يفرن، ولاحقًا الدولة المرينية والوطاسية، ما جعلها من أبرز القوى الأمازيغية الحاكمة.

5. ما اللغة التي تتحدث بها قبائل زناتة؟

يتحدث الزناتيون لهجة أمازيغية تُعرف بالزناتية، ما تزال متداولة في مناطق من المغرب والجزائر وليبيا، وتشكل جزءًا من التنوع اللغوي الأمازيغي.

تعليقات