تُعدّ قبائل إزناكن أو صنهاجة من أبرز المجموعات الأمازيغية التي ساهمت في تشكيل النسيج البشري لشمال إفريقيا، إلى جانب المجموعتين الكبيرتين: مصمودة وزناتة. ويرى عدد من المؤرخين والنسّابين المتخصصين في دراسة الأنساب الأمازيغية أن صنهاجة – المعروفة أيضًا بصناكة أو زناكة – تنتمي إلى فروع البرانس، شأنها شأن قبائل أخرى مثل مصمودة، أوريغة (هوارة)، أوربة، ازداجة، عجيسة، هسكورة، جزولة ولمطة.
ومع ذلك، فإن هذا التقسيم الثنائي للأمازيغ إلى بتر وبرانس لا يحظى بإجماع المؤرخين، مما يجعل الاعتماد عليه محلّ تشكيك، خاصةً مع التداخل الكبير في نسب بعض القبائل التي تُدرج أحيانًا ضمن البتر وأحيانًا أخرى ضمن البرانس. بل إن بعض القبائل حاولت نسب نفسها إلى أصول عربية، كما هو الحال مع صنهاجة التي سعى بعض نسّابيها العرب إلى ربطها بـ حمير في اليمن، رغم ثبوت أصلها الأمازيغي.
معنى اسم “صنهاجة” أو “إزناكن”
كغيره من المواضيع التاريخية المتعلقة تاريخ المغرب وبأصول شمال إفريقيا، يثير معنى اسم "صنهاجة" أو "إزناكن" اختلافًا واسعًا بين الباحثين. إلا أن هناك اتفاقًا عامًا على أن الكلمة ذات جذور أمازيغية، وقد دخلت العربية عبر عملية تعريب.
فقد أشار ابن خلدون إلى أن أصلهم من “ولد صنهاج، وهو صناك بالصاد المشمة بالزاي، والكاف القريبة من الجيم، غير أن العرب أضافوا الهاء بين النون والألف فصار اللفظ (صنهاج)، وهم عند نسابة العرب من بطون البرانس”.
أما المؤرخ علي صدّق أزايكو فيرى أن الاسم لا يدل بالضرورة على نسب محدد، بل على صفة أو سمة ارتبطت بطبيعة حياة هذه القبائل. ويطرح فرضيتين لتفسير أصل الكلمة:
الفرضية الأولى:
أن مفرد “إزناكن” (Izênagen) مشتق من كلمة “أزناك” (azênag)، وهي كلمة أمازيغية مركبة من مقطعين هما azn بمعنى “خيمة الجلد”، وegen بمعنى “المغيرون” أو “الذين يشنّون الغارات”. ودمج الكلمتين ينتج “إزناكن”، أي “خيام المغيرين” حسب ازايكو، في إشارة إلى أسلوب حياة بدوي قائم على الغزو والتنقل في الصحراء.
الفرضية الثانية:
تفترض أن الكلمة “إزناكن” “Izênagen” مكونة أيضًا من المقطعين azn (أي “إرسال” أو “بعث”) وegen (أي “تجمّع قوات غير نظامية للغارة”). ووفق هذا التفسير، فإن “إزناكن” تعني “الذين يشنّون الغارات الحربية بغرض السلب”.
أما الباحث مولاي التقي العلوي فيذهب إلى أن كلمة صنهاجة أو إصنهاجن هي الصيغة المعربة للفظة الأمازيغية “صناكة” أو “إصناكن”. ولتسهيل نطقها على ألسنة العرب، تم تحويل الحرف الأمازيغي الذي يقع بين الصاد والزاي إلى أحدهما، واستبدال الكاف المعقودة بالجيم، مع إضافة الهاء بين النون والمدّ، فصار اللفظ “صنهاجة”.
مناطق الانتشار وأنماط العيش
يطلق المؤرخون والنسّابون اسم صنهاجة على مجموعة واسعة من القبائل الأمازيغية المنتشرة في أنحاء شاسعة من شمال إفريقيا، تمتد من حوض النيجر جنوبًا إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط شمالًا، ومن المحيط الأطلسي غربًا إلى غدامس في طرابلس الغرب شرقًا.
ويصفهم ابن خلدون بأنهم:
“من أكثر قبائل البربر عددًا، حتى قيل إنهم يشكلون ثلث أمم البربر، ولا تكاد بقعة في بلاد المغرب تخلو من فرع من فروعهم، سواء في الجبال أو في السهول.”
ويُعزى هذا الانتشار الواسع إلى كثرة بطونهم وتنوع فروعهم، حتى إن بعض الباحثين يرفع عدد القبائل التي تنتمي إلى صنهاجة إلى نحو سبعين قبيلة. ومع ذلك، يشكك عدد من الدارسين في انحدار هذه المجموعات جميعها من أصل واحد، مستدلين على ذلك بتنوع لغاتهم واختلاف بيئاتهم وأساليب عيشهم.
فبينما عُرفت صنهاجة الشمال، في مناطق مثل كورة طنجة وأزمور وحوض ورغة، بالاستقرار وممارسة الزراعة والحرف، تميزت صنهاجة الجنوب – المعروفة بصنهاجة الرمال أو الجبال – بطابعها البدوي والترحال الدائم.
تصنيف صنهاجة بحسب نمط العيش
يمكن تقسيم قبائل صنهاجة إلى فئتين رئيسيتين تبعًا لأسلوب حياتهم ومعيشتهم:
1. صنهاجة الرمال (أو صنهاجة اللثام)
وهم القبائل الرحّل التي تعيش في المناطق الصحراوية القاحلة ولا تعرف الاستقرار رحلتهم قصيرة وبيوتهم ثابتة ومتحركة، إذ لا تمارس الزراعة ولا تعرف الفاكهة، وتعتمد في غذائها على اللحوم والألبان فقط. ويُذكر أن كثيرًا منهم عاش ومات دون أن يتذوق الخبز.
كانت مواطنهم تمتد عبر صحراء الملثمين، من المحيط الأطلسي غربًا إلى تادمكة جنوب شرق، ومن توات شمال شرق إلى السوس الأقصى ووادي درعة شمالًا، وصولًا إلى نهري السنغال والنيجر جنوبًا.
ومن أبرز بطونهم كدالة ولمتونة ومسوفة، إضافة إلى بني وارث ولمطة وتاركة (ترغة) وكزولة. ومن هذه الأخيرة ينحدر عبد الله بن ياسين الجزولي، الزعيم الروحي ومؤسس حركة المرابطين، الذي نجح في توحيد هذه القبائل تحت راية واحدة.
كما وجدت فئة قريبة منهم في أسلوب الحياة، تمزج بين الاستقرار والترحال، تعرف بـ صنهاجة الجبال (سكان الأطلس الكبير والمتوسط) وصنهاجة الواحات (درعة وسجلماسة). وكان يفصلهم عن صنهاجة الصحراء قبائل زناتة التي بسطت نفوذها على مناطق سجلماسة ودرعة حتى جاء عبد الله بن ياسين في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) فحررها من سيطرة المغراويين الزناتيين.
ومع مرور الزمن، توسعت حركة صنهاجة نحو الشمال، واستقرت فروع منهم في مناطق الريف والشاوية ودكالة وعبدة وسوس، خاصة خلال فترة الدولة المرابطية.
2. صنهاجة الشمال
وهي المجموعات المستقرة في المناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط، وتتميز بأسلوب حياة حضري يعتمد على الفلاحة والتجارة والصناعة.
كانت مواطنهم تمتد من مضيق تازة وحوض ورغة جنوبًا إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط شمالًا، ومن المرتفعات الواقعة جنوب مليلية شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا.
ويبدو أن أصول هذه الفئة قديمة جدًا، مما يجعل من الصعب تتبع صلاتها بصنهاجة الجنوب. كما أن الفوارق الكبيرة في العادات والتقاليد ونمط العيش بين الطرفين تشير إلى أن العلاقة بينهما لم تكن علاقة نَسَبية بقدر ما كانت تحالفية تقوم على المصالح المشتركة والدفاع المتبادل، وليست انحدارًا من أصل واحد مشترك.
أمجاد صنهاجة / إزناكن
بفضل انتشارهم الواسع عبر شمال وغرب إفريقيا، استطاعت قبائل صنهاجة أن تؤسس عبر التاريخ عدة كيانات سياسية، بعضها مستقل وبعضها الآخر تابع لقوى أكبر، خصوصًا خلال العصور الإسلامية.
ومن أبرز هذه الكيانات مملكة أوداغشت (في موريتانيا الحالية)، التي نشأت في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) بقيادة تلاكَاكَين اللمتوني، وكانت ثمرة تحالف قبائل صنهاجة الصحراء، وعلى رأسها لمتونة. واستمرت المملكة حتى بدايات القرن الرابع الهجري قبل أن تتفرق القبائل مجددًا، ثم أعادت تنظيم صفوفها في القرن الخامس الهجري حول زعيمها محمد بن تيفاوت اللمتوني.
غير أن اللحظة الفاصلة في تاريخ صنهاجة تمثلت في استقدام يحيى بن إبراهيم الكدالي للعالم والمصلح عبد الله بن ياسين الكزولي من الأطلس الصغير، الذي بعث فيهم روحًا دينية جديدة ووحّد صفوفهم تحت راية واحدة.
فبفضل دعوته وإصلاحه، تأسست حركة المرابطين، التي تحولت لاحقًا إلى دولة قوية امتدت من السودان الغربي جنوبًا إلى الأندلس شمالًا، ومن المغرب الأقصى غربًا إلى المغرب الأوسط شرقًا، لتسطر واحدة من أعظم صفحات التاريخ الأمازيغي والإسلامي في الغرب الإسلامي.
الاقتباس:
“لم يكن اتحاد صنهاجة مجرد رابطة قبلية، بل تحالفًا حضاريًا ودينيًا شكل إحدى ركائز قيام الدولة المرابطية.”
اسئلة شائعة:
من هم قبائل صنهاجة؟
صنهاجة هي إحدى أكبر المجموعات الأمازيغية في شمال إفريقيا، تمتد فروعها من المغرب إلى ليبيا، ولعبت دورًا بارزًا في التاريخ الإسلامي.
ما أصل اسم صنهاجة أو إزناكن؟
يرجّح المؤرخون أن الاسم ذو أصل أمازيغي، ويشير إلى نمط حياة بدوي قائم على الترحال والغزو، قبل أن يُعرَّب إلى "صنهاجة".
أين تنتشر قبائل صنهاجة اليوم؟
تنتشر فروعهم في المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي، وخاصة في مناطق الأطلس والريف والصحراء الكبرى.
ما هو دور صنهاجة في تأسيس الدولة المرابطية؟
ساهمت قبائل صنهاجة، خصوصًا لمتونة وجدالة ومسوفة، في تأسيس حركة المرابطين بقيادة عبد الله بن ياسين، التي أصبحت دولة عظيمة امتدت من الصحراء إلى الأندلس.
هل تنتمي صنهاجة إلى البتر أم البرانس؟
يُرجَّح أنها من فروع البرانس، إلا أن هناك خلافًا بين النسّابين حول هذا التصنيف بسبب تداخل الأنساب الأمازيغية.