تُعد قبيلة مصمودة، المعروفة أيضًا باسم أصادن أو إمْصْمُودْنْ، من أقدم وأكبر القبائل الأمازيغية التي تعيش في المغرب. وهي واحدة من المجموعات القبلية الرئيسية التي تصنف ضمن سكان شمال إفريقيا الأمازيغية في المصادر التاريخية والجغرافية العربية. وتنتمي إلى المجموعات الثلاث الكبرى: قبائل مصمودة، قبائل زناتة (إزاناتن أو إزاناسن أو إجاناتن)، وقبائل زناكة أو صنهاجة (إزناكن).
ويُعرف عنهم أنهم من "أصالة البربر" الذين قلما امتزجوا بغيرهم، ويُعدون السكان الأصليين للمغرب الأقصى الذين عاشوا في جباله منذ العصور القديمة. كما اشتهروا بـ"تمسكهم بأرضهم وحبهم لتراب وطنهم والدفاع عنه بكل ما يملكون، حتى لو أدى ذلك إلى الانقراض".
حسب الدراسات الجينيالوجية التي اعتمدها عدد كبير من النسابين والجغرافيين والمؤرخين العرب والأندلسيين والأمازيغ، تعود جذور قبائل مصمودة إلى المجموعة الأمازيغية الكبرى البرانس. وقد ذكر ابن خلدون عنهم:
"وأما المصامدة فهم أبناء مصمود بن يونس، وهم من أكثر قبائل البربر عددًا وأغزرها، ومن بطونهم: برغواطة وغمارة وسكان جبل درن، وظلوا في موطنهم بالمغرب الأقصى عبر العصور".
تشتهر قبائل المصامدة بالاستقرار والارتباط بالأرض، وممارسة أنشطة الزراعة والرعي، كما تنضوي تحتها عدة تكتلات واتحاديات كبيرة. ومن أبرز تجمعاتها: سكان جبل درن (كديميوة، كنفيسة، تينمل…) وسكان سهل سوس وبلاد حاحة وركراكة ودكالة وبرغواطة (تامسنا) وغمارة ومصمودة الشمال (صادة أو أصادن) وبني حسان وهرغة، وغيرها من القبائل.
دلالة مصطلح "مصمودة" أو "المصامدة"
على الرغم من الانتشار الواسع لاستخدام مصطلح مصمودة أو المصامدة في المصادر التاريخية والجغرافية، فإنّ الاتفاق بين الباحثين حول مدلوله الدقيق ومعناه لا يزال بعيد المنال. فمع قِدم استعمال هذه التسمية في كتابات المؤرخين والجغرافيين والنسّابين في المشرق والمغرب والأندلس، ما زال الغموض يكتنف أصلها ودلالتها، لاسيما أنّ الجماعات التي أُطلق عليها هذا الاسم لم تكن تُعرِّف نفسها به، ولم يكن متداولًا في أوساطها الشعبية كما هو الحال في المصادر العربية الكلاسيكية أو في الدراسات الغربية اللاحقة وحتى لدى بعض الباحثين المغاربة.
ولفهم هذا التعدد ـ وأحيانًا التناقض ـ في محاولات تحديد مدلول مصطلح “مصمودة”، تجدر الإشارة إلى الاتجاهات التفسيرية المختلفة التي تناولت الموضوع. فهناك، مثلًا، التوجه النسبي (الجينيالوجي) الذي تبنّاه ابن خلدون وآخرون، والذين رأوا أن أبسط السبل لتفسير الكلمة هو نسبتها إلى جدٍّ افتراضي يُدعى مصمود بن يونس. غير أن هذا التفسير لا يلغي وجود قراءات أخرى ذات أبعاد لغوية وثقافية وأنثروبولوجية.
1. مولاي التقي العلوي:
يرى الأستاذ مولاي التقي العلوي في كتابه «أصول المغاربة» أنّ كلمة المصامدة هي الصيغة العربية للاسم الأمازيغي إمصمودن، والذي يدلّ على “أم الرعاة والقادة الذين يتولّون تدبير شؤون الناس”، أو “أم السادة والموالي”.
ويشير إلى أنّ لفظة “مصمودة” غير معروفة في لهجة مصامدة درن (الأطلس الكبير)، ولا ترد في تسمياتهم الجغرافية، فهم لا يعرفون أنفسهم إلا باسم الشلوح أو إشلحين، نسبةً إلى لهجة تشلحيت السائدة في منطقتهم بالجنوب الغربي للمغرب.
ويضيف أن كلمة الشلوح في أصلها تعني “سكان الأكواخ أو المساكن البسيطة”، أي فئة من الجبليين المستقرين الذين تحول نمط سكنهم لاحقًا إلى الدور المبنية باللبن أو الحجر، مما يعكس طبيعة استقرارهم التاريخي. ويُلاحظ أن العلوي ركّز في تحليله على مصامدة الجبال دون مصامدة السهول، معتبرًا أنّ المجموعة الجبلية هي الأقدم والأكثر عددًا ونفوذًا ضمن الكتلة المصمودية.
2. محمد أقديم:
أما الباحث محمد أقديم، المتخصص في تاريخ الأطلس الكبير، فيقترح مقاربة لغوية ثقافية لفهم الاسم انطلاقًا من مصطلح الشلوح أو إشلحيين الذي يطلقه مصامدة الأطلس على أنفسهم. فهو يلاحظ أنّ سيادة اسم “المصامدة” في المصادر المكتوبة تقابلها هيمنة اسم “الشلوح” في اللغة الشفوية والثقافة الشعبية، سواء لدى الأمازيغ أنفسهم أو لدى العرب.
ويستنتج من ذلك أنّ مصطلح الشلوح هو المعادل الشعبي الشفهي لكلمة المصامدة كما وردت في الكتابات العربية، مفسّرًا اسم مصمودة اشتقاقًا من الفعل صامد – يصامد – صمودًا، الذي يدل على الثبات والاستقرار في المكان، وهي دلالة تتقاطع مع معنى كلمتي ءشْلْحِيْنْ وءيشَلْحْ في الأمازيغية تشلحيت، اللتين تعنيان “الاستقرار والإقامة والسكن”. وبهذا، يخلص أقديم إلى أن البحث عن جذر لغوي مباشر لكلمة مصمودة في الأمازيغية ليس ضروريًا، لأن المعنى متحقق في المقابل الدلالي الشعبي.
3. علي صدقي أزايكو:
من جانبه، يرى المؤرخ علي صدقي أزايكو أنّ لفظة مصمودة أو إمصمودن ذات أصل أمازيغي خالص، وتشير إلى مفاهيم “الاستقرار” و“الارتباط بالأرض”. فقبائل المصامدة ـ بحسبه ـ تُعرف بنمط عيشها الزراعي القائم على الفلاحة والاستقرار، ما يجعلها رمزًا للسكان المرتبطين بالأرض.
ويذهب أزايكو إلى أنّ كلمة مصمود (masmud) مركّبة في الأمازيغية، وتعني “الذين يبذرون البذور” أو “المالكين للأرض”، أي الفلاحين المستقرين، وهو ما ينسجم مع الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لهذه القبائل.
4. فرضيات أخرى:
ويُضاف إلى هذه الآراء طرحٌ آخر يربط التسمية بطبيعة المناخ الجبلي البارد في موطن المصامدة بالأطلس الكبير. فبحسب هذا الرأي، يُشتق الاسم من كلمة أصميد، التي تعني “البرودة” في أمازيغية المنطقة، ليُصبح إمصميدن بمعنى “الساكنين في البرد” أو “أهل المناطق الباردة”.
ومع مرور الزمن، تحوّل الاسم عبر التعريب إلى مصامدة أو مصمودة. ويُستشهد على ذلك باسم مدينة أمصميدي، الواقعة على ممر وادي نفيس التاريخي، والتي تحوّل اسمها لاحقًا إلى أمزميز.
مناطق انتشار "إمصمودن" ونمط عيشهم
كانت قبائل المصامدة، أو إمصمودن كما تُعرف في الأمازيغية، تنتشر في أخصب وأغنى مناطق المغرب الأقصى (المملكة المغربية حاليًا)، ولا سيما على امتداد السهول الأطلسية، من الساحل المتوسطي شمالًا إلى الأطلس الصغير جنوبًا.
وقد شملت مناطق تمركزهم كلًّا من تامسنا (الشاوية)، ودكالة، وأزغار (الغرب)، والحوز، وبلاد حاحة، إضافة إلى مناطق الأطلس الكبير والصغير وجهة سوس.
هذا الانتشار الواسع في الأراضي الخصبة جعل المصامدة عرضةً لسلسلة من الحملات العسكرية العنيفة التي استهدفتهم عبر مراحل مختلفة من التاريخ، وأسفرت في كثير من الأحيان عن تدمير تجمعاتهم السكانية، ولا سيما في السهول التي كانت تفتقر إلى التحصينات الطبيعية.
وقد شاركت في تلك الحملات قوى متعددة، منها القبائل الأمازيغية المنافسة مثل زناتة وصنهاجة، وكذلك القبائل العربية القادمة من إفريقية (تونس) وعلى رأسها بنو هلال وبنو معقل، فضلًا عن الدول المغربية كـالمرابطين والمرينيين، وصولًا إلى البرتغاليين خلال فترات التوسع البحري.
وبسبب ما تعرضوا له من عنف واضطهاد متكرر، اضطر عدد كبير من المصامدة إلى النزوح نحو الهضاب الداخلية والمرتفعات الجبلية بحثًا عن الأمان. ويصف بعض المؤرخين ما حلّ بهم في تلك الفترات بأنه من أشدّ صور القهر التي عرفها السكان الأصليون، إذ “مارس الغزاة أبشع أنواع العنف ضدهم، مما أدى إلى اندثار بعض بطونهم بالكامل، ومحو آثارهم من السهول التي كانت مواطنهم الأولى”، وهو ما حدث على سبيل المثال مع البرغواطيين وبني حسان.
ومع مرور الزمن، تقلّصت مواطن المصامدة لتقتصر أساسًا على الأطلس الكبير الغربي والأطلس الصغير وسوس، إضافةً إلى أجزاء من الريف الأوسط وبعض المناطق المنبسطة مثل حاحا والمجالات القريبة من مصب وادي تانسيفت. كما انتقلت جماعات منهم إلى مناطق أخرى خارج المغرب، أبرزها الأندلس وبعض أقاليم شمال إفريقيا، حيث أسس بعض أعقابهم إمارات ودولًا محلية، من أشهرها الدولة الحفصية بالمغرب الأدنى (تونس)، التي تعود أصول مؤسسيها إلى ذرية فاصكة بن ومزال المعروف بـأبي حفص عمر الهنتاتي.
أدوار المصامدة في التاريخ والحضارة
لقد اضطلعت قبائل مصمودة منذ أقدم العصور بأدوار محورية في تاريخ المغرب، شملت مختلف المجالات السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية. وقد أشار إلى ذلك مؤلف كتاب «مفاخر البربر» (لمؤلف مجهول)، حين قال:
“وكان فيهم – أي في المصامدة – ملوك قبل الإسلام، وفي الإسلام رؤساء مشاهير وفرسان وشجعان”.
فرغم ما تعرضت له هذه القبائل من غزو واضطهاد وتشتيت، فإنها ظلت قادرة على إنتاج الحضارة والمساهمة الفاعلة في بناء الدول وتطوير العمران، فضلاً عن تميزها في مجالات العلم والفكر والدين. فقد ترك المصامدة بصماتهم في الحياة المغربية من خلال ما أنجزوه من عمائر وقصور وقلاع، وما أسّسوه من مراكز علمية وروحية كانت لها مكانتها في مسار الحضارة المغربية والإسلامية.
وقد عبّرت كتب التاريخ المغربي عن هذا الحضور المتميز في قول مأثور طالما تردد عبر العصور:
“لم تزل البركة في المصامدة من قديم الزمان، فمنهم أهل الجد والاجتهاد والعلم والعمل، ومنهم أصحاب الرأي والسياسة، كما فيهم أيضًا من مثّلوا وجوه الصراع والانقلاب في التاريخ المغربي.”
وتؤكد المصادر التاريخية هذا التنوع في شخصياتهم ومساهماتهم، إذ نقرأ عن يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس الليثي – الموالي نسبًا والمصمودي أصلًا – وهو أحد رواة الإمام مالك ومن أبرز علماء مصمودة طنجة، كما نقرأ عن ابن محمد صالح الماجري، العالم الزاهد المدفون في آسفي.
وفي المقابل، خرج من صفوف المصامدة قادة سياسيون كبار لعبوا أدوارًا حاسمة
في التحولات التاريخية، مثل محمد بن تومرت الهرغي، مؤسس الحركة الموحدية، الذي قاد واحدة من أهم الثورات الدينية والسياسية في تاريخ المغرب الإسلامي.
كما عرفت المصامدة أيضًا شخصيات مثيرة للجدل، مثل صالح بن طريف، زعيم البرغواطيين، وحمو بن منوا الغماري المعروف بـأبي محمد حاميم بن من الله، الذين ارتبطت أسماؤهم بحركات دينية وسياسية خارجة عن النسق السائد آنذاك.
إنّ هذا التنوع الكبير في النماذج المصمودية، بين العلماء والمصلحين من جهة، والزعماء الثوريين أو الدينيين من جهة أخرى، يعكس الطاقة الخلّاقة التي تميز الشخصية المصمودية، وما تتسم به من حيوية فكرية وسياسية وقدرة على المبادرة والتجديد. وهي سماتٌ تُبرز أن المصامدة لم يكونوا مجرد عنصر قبلي، بل قوة حضارية فاعلة أسهمت بعمق في صياغة تاريخ المغرب وهويته الثقافية.
الأسئلة الشائعة حول قبائل مصمودة
1. من هم المصامدة أو قبائل مصمودة؟
المصامدة قبائل أمازيغية عريقة تُعد من أقدم سكان المغرب الأقصى، عُرفت باستقرارها في جبال الأطلس وبتمسكها بأرضها وهويتها منذ العصور القديمة.
2. ما أصل كلمة "مصمودة" وما معناها؟
اختلف الباحثون حول معنى الكلمة، فالبعض يربطها بالثبات والاستقرار، وآخرون يرون أصلها في الأمازيغية بمعنى “المرتبطة بالأرض” أو “الذين يبذرون البذور”.
3. أين كانت تنتشر قبائل مصمودة في المغرب؟
انتشرت قبائل مصمودة من جبال الأطلس الكبير إلى سوس وبلاد حاحة ودكالة وتامسنا، ووصل نفوذها إلى مناطق الغرب والجنوب المغربي.
4. ما دور قبائل مصمودة في تاريخ المغرب؟
لعبت المصامدة أدوارًا محورية في تاريخ المغرب السياسي والديني، وأسس بعض أبنائها الدولة الموحدية التي شكّلت مرحلة بارزة في التاريخ المغربي والإسلامي.
5. من هم أبرز الشخصيات التي تنتمي لقبائل مصمودة؟
من أشهر شخصيات مصمودة محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية، وصالح بن طريف زعيم البرغواطيين، وعدد من العلماء مثل يحيى بن يحيى الليثي.
6. هل ما زالت قبائل مصمودة موجودة اليوم؟
نعم، ما زالت فروع مصمودة منتشرة في مناطق الأطلس وسوس وحاحة والجنوب الغربي للمغرب، وتحافظ على لهجتها وثقافتها الأمازيغية الأصيلة.
7. ما الفرق بين مصمودة والمصامدة؟
مصمودة هو الاسم المفرد بينما المصامدة هو الجمع. ويُستخدم اللفظان في المصادر العربية القديمة للإشارة إلى نفس المجموعة القبلية الأمازيغية.