يشهد المغرب منذ أواخر سبتمبر 2025 واحدة من أبرز الموجات الاحتجاجية التي يقودها جيل الشباب المعروف بـ"جيل Z". هذه الفئة العمرية، التي وُلد أغلب أفرادها بعد عام 1995، خرجت إلى الشوارع بعفوية وتنظيم غير مسبوق، بعد حادث مأساوي تمثل في وفاة ثماني نساء أثناء عمليات قيصرية في مستشفى عمومي بمدينة أكادير. ما بدا في البداية احتجاجًا على ضعف الخدمات الصحية تحوّل بسرعة إلى حركة اجتماعية واسعة، رفعت شعارات تمس قضايا التعليم، التشغيل، السكن، والعدالة الاجتماعية، منتقدةً بشكل خاص سياسات الحكومة برئاسة عزيز أخنوش.
هذه الاحتجاجات ليست مجرد غضب عابر، بل تعبير عميق عن جيل يشعر بالتهميش، ويواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية في بلد يُعوَّل عليه أن يكون نموذجًا للاستقرار والتنمية في المنطقة. في هذا المقال، سنستعرض السياق، المطالب، ردود الفعل الحكومية، التحديات، أهم الأرقام الميدانية، وتفاصيل حركة "جيل Z" لفهم هذه اللحظة التاريخية.
السياق والخلفية
عزيز أخنوش، رجل الأعمال الثري وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، يقود الحكومة المغربية منذ أكتوبر 2021 ضمن تحالف سياسي قوي. وقد رُوّج لحكومته كحكومة الإنجازات الكبرى، خاصة مع استضافة المغرب لتظاهرة كأس الأمم الإفريقية لعام 2025، والتي ركزت على تطوير البنية التحتية الرياضية والملاعب، وإظهار قدرة المغرب على تنظيم تظاهرات رياضية دولية كبرى. كما يستعد المغرب لاستضافة كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال.
لكن، رغم هذه الإنجازات الرياضية الدولية، ظل المواطن المغربي العادي يواجه أزمات يومية: خدمات صحية متدهورة، نظام تعليمي غير منصف، وبطالة مرتفعة بين الشباب. جيل Z، الذي يُشكّل نسبة هامة من السكان، يعيش حالة من الإحباط بسبب انسداد الأفق: لا فرص عمل كافية، تكاليف معيشية مرتفعة، وفجوة متزايدة بين خطاب التنمية والواقع الملموس. وفاة النساء في أكادير لم تكن سوى الشرارة التي أشعلت نارًا متقدة منذ سنوات.
بروز الحركات الشبابية وتوضيح طبيعة حركة جيل "زاد"
أبرز ما يميز هذه الحركة هو "غياب القيادة التقليدية" والتنظيم الرسمي، ما يجعلها "حركة شبابية لامركزية". لم تُدعَ إلى المظاهرات نقابة أو حزب معارض، بل ظهرت مجموعات شبابية تحمل أسماء مثل "GenZ212" و "Morocco Youth Voices".
طبيعة الحركة وأدواتها
- اللامركزية: لا توجد قيادة واحدة أو ممثل رسمي للحركة، والقرارات تتخذ عبر مجموعات صغيرة على الإنترنت.
- الاعتماد على التواصل الرقمي: تستخدم الحركة منصات مثل تيك توك، إنستغرام، وديسكورد لنشر الأخبار، تنسيق المظاهرات، وتبادل الاستراتيجيات.
- الأساليب السلمية والإبداعية: غالبية المظاهرات كانت سلمية، مع شعارات مبتكرة ورسائل رقمية توصل مطالبها بسرعة.
- القدرة على التعبئة: الحركة نجحت في تعبئة آلاف الشباب في أكثر من 10 مدن خلال أيام قليلة، ما جعلها مؤثرة بشكل كبير على الرأي العام.
تدخل أيادي خفية
على الرغم من أن الحركة "GenZ212" لا مركزية ومجهولة المصدر، إلا أن بعض التقارير أشارت إلى وجود محاولات تدخل من أيادي خفية معادية للمملكة، تهدف إلى استغلال الاحتجاجات لصالح أجندات خارجية. إلا أن الشباب والمواطنين المغاربة تبنوا الفكرة أصلاً لأسباب وطنية واجتماعية، مركّزين على المطالب الحقيقية: تحسين التعليم والصحة، ومحاربة البطالة والفساد، ما جعل الحركة في جوهرها تعبّر عن الواقع الداخلي للمغرب.
أهداف الحركة
مطالب هذه الحركات واضحة ومركّزة على حقوق أساسية:
تحسين النظام الصحي: توفير مستشفيات مجهزة، أطر طبية كافية، وإنهاء "مآسي" مثل حادث أكادير.
إصلاح التعليم: تقليص الفوارق بين التعليم العمومي والخاص، رفع مستوى الجودة، وتوفير تعليم يواكب سوق العمل.
العدالة الاقتصادية: خلق فرص عمل للشباب، وتسهيل الولوج إلى السكن.
محاربة الفساد والزبونية: تعزيز الشفافية والمحاسبة داخل المؤسسات.
تغيير الأولويات: انتقاد تخصيص مليارات الدراهم لبناء ملاعب واستقبال تظاهرات دولية، بينما الخدمات الأساسية تعاني الإهمال.
هذه الحركة ليست مجرد احتجاجات عابرة، بل نموذج جديد للتنظيم الشبابي الرقمي، حيث تعتمد على السرعة، الابتكار، والقدرة على توجيه رسالة قوية دون هيكل سياسي رسمي، مع تبني الشباب للمطالب الوطنية على الرغم من أي محاولات تشويه أو استغلال خارجي.
رد فعل الحكومة اخنوش
أمام هذا الحراك، وجد عزيز أخنوش نفسه في موقف حرج. من جهة، لا يمكن تجاهل الغضب الشعبي العارم، ومن جهة أخرى، يخشى أن يفتح أي تنازل الباب لمزيد من الضغوط.
التصريحات الرسمية
أخنوش دعا إلى "الحوار" وأكد أن حكومته تستجيب تدريجيًا لمطالب الشباب، لكن هذه التصريحات بدت للكثيرين عامة وغير مقنعة.
الإجراءات الأمنية
السلطات اعتقلت أكثر من 400 متظاهر، بينهم عدد من القاصرين، وبعض هذه الاعتقالات كانت نتيجة أعمال تخريب وشغب قام بها قاصرون خلال المظاهرات، ما أدى إلى تصعيد الوضع الأمني في بعض المدن. وشهدت عدة مدن مواجهات أسفرت عن إصابات في صفوف المحتجين ورجال الأمن. كما قُتل على الأقل ثلاثة أشخاص في مدينة لقلعة قرب أكادير، ما زاد الوضع توترًا.
الانتقادات
الانتقادات وُجّهت للحكومة على محورين:
1. الأولويات الخاطئة: التركيز على مشاريع كبرى مثل كأس العالم أو كأس الأمم الإفريقية على حساب الاستثمار في الصحة والتعليم.
2. القمع بدل الإصلاح: استخدام القوة لتفريق المظاهرات بدلاً من تقديم حلول ملموسة.
التأثيرات وديناميكيات الصراع
الحركة انتشرت بسرعة في أكثر من 10 مدن، منها الدار البيضاء، الرباط، أكادير، مراكش، وجدة، وسلا. وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا محوريًا، إذ تحولت إلى منصات للتعبئة ونشر الشعارات والفيديوهات التي فضحت سوء الخدمات.
الرأي العام يميل بشكل متزايد إلى التعاطف مع الشباب، خصوصًا أن مطالبهم تتعلق بحقوق أساسية، مما يضعف شرعية الحكومة في نظر الكثيرين. اللافت أن الحراك لم يقتصر على "جيل زاد" وحده، بل وجد دعمًا من بعض الفئات الأكبر سنًا المتضررة أيضًا من أوضاع الصحة والتعليم.
المعلومات الميدانية والأرقام الرئيسية
- بداية الاحتجاجات: انطلقت يوم 27 سبتمبر 2025 بعد حادث مستشفى أكادير.
- عدد المدن المشاركة: أكثر من 11 مدينة رئيسية وثانوية شهدت احتجاجات.
- الخسائر البشرية: وفاة ثلاثة متظاهرين على الأقل، وإصابة العشرات من الطرفين.
- الاعتقالات: ما يزيد عن 400 شخص، بينهم عدد من القاصرين، وبعض هذه الاعتقالات كانت نتيجة أعمال تخريب وشغب قام بها بعض القاصرون.
- الإصابات الأمنية: تقارير تحدثت عن إصابة أكثر من 260 عنصرًا من القوات العمومية خلال المواجهات.
- حجم الانتقادات: التركيز على إنفاق الدولة مليارات الدراهم على ملاعب كأس العالم 2030 وكأس الأمم الإفريقية، مقابل ميزانية صحية وتعليمية ضعيفة (أقل من 6% من الناتج الداخلي الخام).
- دور الإعلام الرقمي: انتشار هاشتاغات مثل #جيلZ و#المغرب_يستحق_الأفضل، وحصد ملايين المشاهدات في أيام قليلة.
هذه الأرقام تكشف أن ما يجري ليس مجرد مظاهرات متفرقة، بل أزمة وطنية ذات طابع هيكلي، وقد تعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع، خصوصًا مع الجيل الجديد.
التحديات والمخاطر
رغم قوة هذا الحراك، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة:
- غياب القيادة الواضحة: ما يجعل التفاوض مع الدولة معقدًا.
- خطر العنف: أي انزلاق أمني قد يؤدي إلى سقوط ضحايا جدد، وهو ما قد يشعل الاحتجاجات أكثر.
- استمرارية الزخم: الحفاظ على التعبئة الشعبية لفترة طويلة دون بنية تنظيمية قد يكون صعبًا.
من جانب الحكومة، يظل التحدي الأكبر هو كيفية الاستجابة دون المساس بالميزانية المخصصة لمشاريع كبرى، ودون إضعاف صورتها داخليًا وخارجيًا.
الآفاق والسيناريوهات المحتملة
هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل هذا الحراك:
1. الاستجابة الإصلاحية: إذا بادرت الحكومة إلى إصلاحات ملموسة في الصحة والتعليم وتغيير أولويات الإنفاق، قد يهدأ الغضب الشعبي ويُسجَّل ذلك كخطوة تاريخية.
2. التصعيد والمواجهة: إذا استمر الاعتقال والقمع دون حلول، فقد يتوسع الحراك ويشمل فئات أخرى، ما قد يهدد استقرار البلاد.
3. المماطلة والاحتواء: قد تراهن الحكومة على إنهاك الحركة مع مرور الوقت، لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، لأن الأسباب العميقة للغضب ستبقى قائمة.
الخاتمة
المغرب يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم. احتجاجات جيل Z ليست مجرد أزمة عابرة، بل رسالة قوية من جيل جديد يطالب بحقه في الكرامة والعدالة الاجتماعية. حكومة عزيز أخنوش مطالَبة بأن تُغيّر مقاربتها: من التركيز على المشاريع الضخمة إلى الاستثمار في الإنسان.
السؤال المطروح: هل ستتحول هذه الأزمة إلى فرصة لإصلاحات تاريخية تُعيد الثقة بين الدولة والشباب، أم ستظل جرحًا مفتوحًا يزيد من اتساع الهوة بين جيل المستقبل ومؤسسات الحكم؟
الجواب ستحدده الأسابيع والأشهر المقبلة، لكن ما هو مؤكد أن المغرب بعد خريف 2025 لن يكون كما كان قبله.
إلى الشباب
أيها الشباب، هذه المطالب التي رفعتموها ليست مجرد شعارات، بل هي حقوقكم المشروعة كمغاربة، حقكم في الصحة، التعليم، العدالة الاجتماعية، وكرامة المواطن. ومع ذلك، لا يجب أن ننسى أن أمن واستقرار وطننا هو أولوية قصوى.
محاربة كل من يسعى للإضرار بهذا الوطن العظيم مسؤولية تقع على عاتقنا جميعًا، نحن الشباب، نحن مستقبل المغرب. يجب أن نحمي بلدنا من كل شر وسوء، وأن نكون قوة بناءة للتغيير، لا أداة لتدمير المجتمع. إن الدفاع عن مطالبنا يجب أن يكون دائمًا في إطار يحافظ على وحدة الوطن واستقراره، لأن الوطن هو الأم التي تضمنا جميعًا، ويجب أن نظل أوفياء لها.
اللهم احفظ وطننا المغرب، تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله، من كل مكروه، وامنحه الأمن والسلام، وارزق شبابنا القوة والحكمة لحماية مستقبله، واجعل هذا الوطن دائمًا عزيزًا آمنًا، مزدهرًا تحت رايته العظيمة. آمين.