داهية الدبلوماسية سحابة الرحمانية، هي الزوجة الثانية لسلطان السعدي محمد الشيخ وأم عبد المالك المعتصم بالله، السلطان الذي توفي في معركة وادي المخازن. لعبت دوراً سياسياً مهماً كدبلوماسية وسفيرة لدى الإمبراطور العثماني في القسطنطينية (إسطنبول الحالية).
خلال السنوات الثمانية عشر التي قضتها في المنفى تحت الحماية التركية، كانت تدعم الأمراء السعديين اللاجئين، وكان مطلبها من الباب العالي هو مساعدة ابنها في استرجاع ممتلكاته المغتصبة واستعادة الحكم في سياق سياسي خطير.
أصولها وانتماؤها القبلي
كانت سحابة الرحمانية تنتمي إلى قبيلة "رحامنة" من فرع حسان، وهي إحدى المجموعات التابعة "للمعقل" التي استقرت في الصحراء على أطرافها الشمالية. عاشت حياة قائمة على الترحال بحثًا عن المراعي والمبادلات التجارية مع القبائل المعقلية الأخرى.
شارك "الرحامنة" في التجارة عبر الصحراء، التي جلبت الفروع إلى نواحي "أكادير" و"الصويرة" و"أسفي"، وهو ما أشار إليه عالم الاجتماع (بول باسكون). وقد عانت هذه المناطق من اختلال التوازن الاقتصادي بسبب الاحتلال الأوروبي.
دورها في حركة الجهاد
في هذا السياق، تم مبايعة السعديين في "ضرعة" على رأس حركة الجهاد، وانضمت إليهم قبائل جنوب غرب الصحراء. من هنا، يمكننا متابعة دور قبائل "الرحامنة" التي شاركت في عام 1525 في هجمات السعديين على البرتغال، التي كانت تحتل سواحل سوس، بالإضافة إلى "أكادير" تحت اسم "سنتا كروز". ورغم ذلك، تظل المراجع التاريخية صامتة بشأن حياة سحابة الرحمانية، وتاريخ ميلادها، ووفاتها، إلا أنه يُعتقد أنها ولدت في قبيلة "الرحامنة" في بداية القرن السادس عشر، حوالي عام 1528.
حياة الشخصية لسحابة الرحمانية
تزوجت سحابة الرحمانية من محمد الشيخ، الذي كان يشغل وزارة في عهد أخيه "سلطان أحمد العرج"، ودخل معها في نزاع مسلح انتهى بخلع أحمد العرش وانتصار محمد الشيخ سنة 1540، ليصبح ثالث سلاطين الدولة السعدية. قضى على آخر ملوك بني وطاس واستولى على فاس، التي كانت عاصمتهم، سنة 1554، ثم قام بتوحيد المغرب وجمع أطرافه على الطاعة والولاء للسعديين.
ولدت الرحمانية في عام 1529 تقريبًا الأمير عبد المؤمن، ثم في عام 1533 الأميرة عائشة السعدية، وفي عام 1537 فاطمة الزهراء التي دفنت في قبور السعديين في مراكش. ثم في حوالي عام 1541 ولدت عبد الملك المعتصم بالله. بعد ذلك، أصبحت سحابة الرحمانية أرملة في ظروف مروعة.
اغتيال محمد الشيخ
تم اغتيال زوجها، السلطان محمد الشيخ، في عام 1557 بالقرب من "تارودانت" على يد مجموعة من الأتراك الذين كانوا ضمن حرسه الخاص. ادعوا أنهم فروا من ظلم العثمانيين في إيالة الجزائر، وتمكنوا من اكتساب ثقته، فنفذوا مهمتهم وغدروا به أثناء نومه، وفصلوا رأسه عن جسده وسلموه إلى الصدر الأعظم. أمر السلطان العثماني سليمان القانوني بتعليق رأسه على باب القلعة بالقسطنطينية.
وهكذا تم الانتقام من سلطان السعدي الذي تمسك باستقلالية المملكة ورفض طلب مبعوث سليمان القانوني بأن يدعو له على منابر المغرب أو يكتب اسمه على "العملة"، بل سماه محمد الشيخ "سلطان الحواتة" أي "سلطان القوارب"، وهدده بالحرب والقتال والزحف نحوه مصر.
لكن هذا الاغتيال لم يؤثر على أساس الدولة، فقد عادت السلطة إلى ابنه عبد الله الغالب وأمه "رابعة" من "تيدسي". لم يكن هناك اعتراض على خلافة عبد الله الغالب، لكن قراره بتعيين ابنه محمد المتوكل ولي العهد أثار ضجة كبيرة لأنه خالف القاعدة الأسرية وحق البكورية الذي يعطي أولوية للأخ الأكبر. كما أن الخوف من ضياع السلطة دفع عبد الله الغالب إلى اتخاذ قرارات قاسية، حيث قام بتصفية جسدية لعدد من إخوته وأبنائهم.
المنفى واللجوء إلى الأراضي العثمانية
شعر أبناء محمد الشيخ الآخرون بالخوف على حياتهم فهربوا إلى الأراضي العثمانية، وهم عبد المؤمن وعبد المالك مع أمهما سحابة الرحمانية، وكان معهم أحمد الذي لقب فيما بعد بالمنصور الذهبي، ابن "مسعودة الوزكيتيا".
يعتقد بعض المؤرخين مثل "إبراهيم حركات" أن "مسعودة الوزكيتيا" رافقت الأمراء السعديين إلى جانب سحابة الرحمانية، رغم أن البعض يشكك في هذه الرواية ويؤكد أن "مسعودة الوزكيتيا" ظلت آمنة في مقامها السجلماسي. لجأت أسرة السعديين إلى الأراضي العثمانية في إيالة الجزائر، حيث استقبلهم حكيمها حسن باشا بن خير الدين بربروس في بتلمسان ثم في مدينة الجزائر.
ديبلوماسيتها وحكمتها السياسية
لا شك أن سحابة الرحمانية لعبت دورًا كبيرًا في حماية الأمراء السعديين، حيث قامت بالاتصال بأركان الحكومة العثمانية في القسطنطينية وعملت في الخفاء على إعداد سبل تمكين ابنها من استرجاع حقوقه. كان عبد المالك يبلغ من العمر حينها 15 عامًا، وكان شقيقه الأصغر أحمد يبلغ 8 سنوات فقط. أما الابن الأكبر عبد المؤمن، فقد بدأ يتقرب تدريجياً من حسن باشا بن خير الدين في الجزائر، وتزوج من ابنته، وأُسند له حكم تلمسان.
إلى أن قتل عبد المؤمن بأمر من ابن أخيه المتوكل، الذي كان آنذاك نائبًا لفاس، حيث طُعن بالرمح وهو ساجد في صلاة يوم الجمعة في أحد المساجد خلال شهر رمضان عام 1571. أما عبد الملك فزوج ابنته من القائد التركي البحري "الرئيس مراد"، الذي ساعده في التقرب من الحكومة التركية وشارك مع شقيقه الأصغر أحمد في معركة "ليبونت البحرية" التي وقعت في 7 أكتوبر 1571، بين العثمانيين وتحالف أوروبي تحت رعاية "البابا بيوس الخامس".
مشاركة عبد المالك في معركة تونس
بعد عدة اتصالات مع الحكومة العثمانية في العاصمة خلال فترة حكم سليم الثاني بن سليمان القانوني، توجه أفراد عائلة السعديين إلى القسطنطينية إلى قصر السلطان على ضفاف "البوسفور". وخلال هذه الإقامة تمكنوا من الاتصال بكبار المسؤولين الذين قدموهم إلى السلطان سليم الثاني، حيث دخلت سحابة الرحمانية قصره وأقامت علاقات مع "نوربانو" زوجة سليم الثاني ووالدة مراد الثالث. طلبوا منه أن يبعث معهم الجنود لمرافقتهم، لكن السلطان العثماني سليم الثاني رفض الطلب. ومع ذلك، جاءت الفرصة الذهبية التي لا تُفوت، فاغتنمتها سحابة الرحمانية.
كان من نتائج معركة "ليبوند" عام 1571 إعادة احتلال تونس من قبل الإسبان. لذلك، مر السلطان العثماني بولاة الجزائر الحالية وطرابلس بجمع قواتهم البحرية للانضمام إلى الأسطول الذي أرسله الباب العالي لاستعادة تونس من الاحتلال المسيحي. فحذا عبد المالك وأخوه أحمد حذو السلطان سليم، وشاركوا في "معركة تونس" لتحريرها عام 1574.
ثم التحقوا على الفور بالقسطنطينية بعد انتصار الجيش التركي. وبحسب بعض المصادر، حين هاج البحر عليهم وتفرقت مراكبهم، ساعدتهم الرياح فوصلوا إلى القسطنطينية قبل الآخرين بيومين.
كما ذكر أحمد بن خالد الناصري "كان عبد الملك أول من أرسل البشارة إلى السلطان العثماني، فبلغت الرسالة إلى أمه سحابة الرحمانية فأعطتها للسلطان المذكور".
بناءً على ذلك، تشير المراجع التاريخية إلى أن سحابة الرحمانية كانت أول من بشر السلطان العثماني بفتح تونس، وقد انتهزت الفرصة وظفتها بشكل إيجابي لتحقيق مكاسب سياسية من خلال طلب دعم ابنها، ومساعدته بجيش لاستعادة ملكه، فقبل السلطان العثماني طلبها.
نجاح عبد المالك واستعادة الحكم
بعد هذه الأحداث، نجح عبد المالك في الإطاحة بشقيقه عام 1576، قبل أن يدخل فاس منتصرًا ويتمسك بصولجان الملك. كما يقول الأستاذ عبد الله كنون: "وهكذا أدت هذه السيدة مهمتها كما يجب وسجلت اسمها في تاريخ المغرب". وقد كانت من أهم العوامل التي ساعدت على نجاح قضية ابنها، مما يعطينا صورة واضحة عن حزم امرأة، فتنتها، وبعد نظرها، وعزيمتها. نالت خبرتها ودرايتها بالسياسة في دهاليز القصور، قادت المعارضة واغتربت عن بلادها، وكان لها الفضل الأكبر في استرداد ابنها لعرشه وملكه. من جهة أخرى، تقدم هذه الأحداث رؤية عن الأساليب الدبلوماسية في إطار العلاقات المعقدة مع الدولة العثمانية.
اقتباس:
اسئلة شائعة:
"سحابة الرحمانية كانت زوجة السلطان السعدي محمد الشيخ وأم للسلطان عبد المالك المعتصم بالله. لعبت دورًا دبلوماسيًا مهمًا في استعادة حقوق ابنها من خلال علاقاتها مع الدولة العثمانية".
كيف ساعدت سحابة الرحمانية في استعادة ملك ابنها؟
من خلال اتصالاتها مع الحكومة العثمانية في إسطنبول، استطاعت سحابة الرحمانية الحصول على دعم عسكري من أجل مساعدة ابنها عبد المالك في استرجاع ملكه بعد سنوات من المنفى.
ما هو دور قبيلة "الرحامنة" في الحروب ضد الاحتلال البرتغالي؟
قبيلة "الرحامنة" كانت من بين القبائل التي شاركت في الهجمات السعدية ضد البرتغاليين في سواحل سوس والمناطق المحيطة، خاصة في معركة "سونتا كروز" عام 1525.
كيف أثرت وفاة السلطان محمد الشيخ على السعديين؟
اغتيال السلطان محمد الشيخ في 1557 أثر بشكل كبير على الأسرة السعدية، حيث أجبر أبناءه على اللجوء إلى الأراضي العثمانية وبدأت صراعات داخلية على خلافة العرش.
هل لعبت سحابة الرحمانية دورًا في معركة تونس؟
نعم، سحابة الرحمانية ساعدت في إقناع السلطان العثماني سليم الثاني بدعم عبد المالك وأخيه أحمد للانضمام إلى معركة تحرير تونس من الاحتلال الإسباني عام 1574
الخاتمة
مثلما أشار المؤرخون، تعد سحابة الرحمانية نموذجًا للمرأة المغربية التي لعبت دورًا حاسمًا في التاريخ. بحكمتها السياسية وشجاعتها، سجلت اسمها في صفحات التاريخ المغربي كإحدى أهم الشخصيات النسائية في عهد الدولة السعدية.